فصل: تفسير الآية رقم (6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والاحتمال الثاني: أن تنزل هذه الآيات على سبب نزولها، وذلك لأن النصارى ادعوا إلهية عيسى عليه السلام، وعولوا في ذلك على نوعين من الشبه، أحد النوعين شبه مستخرجة من مقدمات مشاهدة، والنوع الثاني: شبه مستخرجة من مقدمات إلزامية.
أما النوع الأول من الشبه: فاعتمادهم في ذلك على أمرين أحدهما: يتعلق بالعلم والثاني: يتعلق بالقدرة.
أما ما يتعلق بالعلم فهو أن عيسى عليه السلام كان يخبر عن الغيوب، وكان يقول لهذا: أنت أكلت في دارك كذا، ويقول لذاك: أنك صنعت في دارك كذا، فهذا النوع من شبه النصارى يتعلق بالعلم.
وأما الأمر الثاني من شبههم، فهو متعلق بالقدرة، وهو أن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، وهذا النوع من شبه النصارى يتعلق بالقدرة، وليس للنصارى شبه في المسألة سوى هذين النوعين، ثم أنه تعالى لما استدل على بطلان قولهم في إلهية عيسى وفي التثليث بقوله: {الحى القيوم} [آل عمران: 2] يعني الإله يجب أن يكون حيًا قيومًا، وعيسى ما كان حيًا قيومًا، لزم القطع أنه ما كان إلها، فأتبعه بهذه الآية ليقرر فيها ما يكون جوابًا عن هاتين الشبهتين:
أما الشبهة الأولى: وهي المتعلقة بالعلم، وهي قولهم: أنه أخبر عن الغيوب فوجب أن يكون إلها، فأجاب الله تعالى عنه بقوله: {إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شيء فِي الأرض وَلاَ في السماء} وتقرير الجواب أنه لا يلزم من كونه عالمًا ببعض المغيبات أن يكون إلها لاحتمال أنه إنما علم ذلك بوحي من الله إليه، وتعليم الله تعالى له ذلك، لكن عدم إحاطته ببعض المغيبات يدل دلالة قاطعة على أنه ليس بإله لأن الإله هو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فإن الإله هو الذي يكون خالقًا، والخالق لابد وأن يكون عالمًا بمخلوقه، ومن المعلوم بالضرورة أن عيسى عليه السلام ما كان عالمًا بجميع المعلومات والمغيبات، فكيف والنصارى يقولون: أنه أظهر الجزع من الموت فلو كان عالمًا بالغيب كله، لعلم أن القوم يريدون أخذه وقتله، وأنه يتأذى بذلك ويتألم، فكان يفر منهم قبل وصولهم إليه، فلما لم يعلم هذا الغيب ظهر أنه ما كان عالمًا بجميع المعلومات والمغيبات والإله هو الذي لا يخفى عليه شيء من المعلومات، فوجب القطع بأن عيسى عليه السلام ما كان إلها فثبت أن الاستدلال بمعرفة بعض الغيب لا يدل على حصول الإلهية، وأما الجهل ببعض الغيب يدل قطعًا على عدم الإلهية، فهذا هو الجواب عن النوع الأول من الشبه المتعلقة بالعلم.
أما النوع الثاني: من الشبه، وهو الشبهة المتعلقة بالقدرة فأجاب الله تعالى عنها بقوله: {هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء} والمعنى أن حصول الإحياء والإماتة على وفق قوله في بعض الصور لا يدل على كونه إلها، لاحتمال أن الله تعالى أكرمه بذلك الإحياء إظهارًا لمعجزته وإكرامًا له.
أما العجز عن الإحياء والإماتة في بعض الصور يدل على عدم الإلهية، وذلك لأن الإله هو الذي يكون قادرًا على أن يصور في الأرحام من قطرة صغيرة من النطفة هذا التركيب العجيب، والتأليف الغريب ومعلوم أن عيسى عليه السلام ما كان قادرًا على الإحياء والإماتة على هذا الوجه وكيف، ولو قدر على ذلك لأمات أولئك الذين أخذوه على زعم النصارى وقتلوه، فثبت أن حصول الإحياء والإماتة على وفق قوله في بعض الصور لا يدل على كونه إلها، أما عدم حصولهما على وفق مراده في سائر الصور يدل على أنه ما كان إلها، فظهر بما ذكر أن هذه الشبهة الثانية أيضا ساقطة.
وأما النوع الثاني من الشبه: فهي الشبه المبنية على مقدمات إلزامية، وحاصلها يرجع إلى نوعين.
النوع الأول: أن النصارى يقولون: أيها المسلمون أنتم توافقوننا على أنه ما كان له أب من البشر، فوجب أن يكون ابنًا له فأجاب الله تعالى عنه أيضا بقوله: {هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء} لأن هذا التصوير لما كان منه فإن شاء صوره من نطفة الأب وإن شاء صوره ابتداء من غير الأب.
والنوع الثاني: أن النصارى قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم ألست تقول: إن عيسى روح الله وكلمته، فهذا يدل على أنه ابن الله، فأجاب الله تعالى عنه بأن هذا إلزام لفظي، واللفظ محتمل للحقيقة والمجاز، فإذا ورد اللفظ بحيث يكون ظاهره مخالفًا للدليل العقلي كان من باب المتشابهات، فوجب رده إلى التأويل، وذلك هو المراد بقوله: {هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ ءايات محكمات هُنَّ أُمُّ الكتاب وَأُخَرُ متشابهات} [آل عمران: 7] فظهر بما ذكرنا أن قوله: {الحى القيوم} إشارة إلى ما يدل على أن المسيح ليس بإله ولا ابن له، وأما قوله: {إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شيء فِي الأرض وَلاَ في السماء} فهو جواب عن الشبهة المتعلقة بالعلم، وقوله: {هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء} جواب عن تمسكهم بقدرته على الإحياء والإماتة، وعن تمسكهم بأنه ما كان له أب من البشر، فوجب أن يكون ابنًا لله، وأما قوله: {هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب} [آل عمران: 7] فهو جواب عن تمسكهم بما ورد في القرآن أن عيسى روح الله وكلمته، ومن أحاط علمًا بما ذكرناه ولخصناه علم أن هذا الكلام على اختصاره أكثر تحصيلًا من كل ما ذكره المتكلمون في هذا الباب، وأنه ليس في المسألة حجة ولا شبهة ولا سؤال ولا جواب إلا وقد اشتملت هذه الآية عليه، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأما كلام من قبلنا من المفسرين في تفسير هذه الآيات فلم نذكره لأنه لا حاجة إليه فمن أراد ذلك طالع الكتب، ثم أنه تعالى لما أجاب عن شبههم أعاد كلمة التوحيد زجرًا للنصارى عن قولهم بالتثليث، فقال: {لا إله إلا هو العزيز الحكيم} فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة والحكيم إشارة إلى كمال العلم، وهو تقرير لما تقدم من أن علم المسيح ببعض الغيوب، وقدرته على الإحياء والإماتة في بعض الصور لا يكفي في كونه إلها فإن الإله لابد وأن يكون كامل القدرة وهو العزيز، وكامل العلم وهو الحكيم، وبقي في الآية أبحاث لطيفة، أما قوله: {لاَ يخفى عَلَيْهِ شيء فِي الأرض وَلاَ في السماء} فالمراد أنه لا يخفى عليه شيء. اهـ.

.قال الطبري:

يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله لا يخفى عليه شيء هو في الأرض ولا شيء هو في السماء. يقول: فيكف يخفى علىّ يا محمدُ- وأنا علامُ جميع الأشياء- ما يُضَاهى به هؤلاء الذين يجادلونك في آيات الله من نصارى نجران في عيسى ابن مريم، في مقالتهم التي يقولونها فيه؟. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء} شيء نكرة في سياق النفي، فتعم، وهي دالة على كمال العلم بالكليات والجزئيات، وعبر عن جميع العالم بالأرض والسماء، إذ هما أعظم ما نشاهده، والتصوير على ما شاء من الهيئات دال على كمال القدرة، وبالعلم والقدرة يتم معنى القيومية، إذ هو القائم بمصالح الخلق ومهماتهم، وفي ذلك ردّ على النصارى، إذ شبهتهم في إدعاء إلهية عيسى كونه: يخبر بالغيوب، وهذا راجع إلى العلم، وكونه: يحيي الموتى، وهو راجع إلى القدرة.
فنبهت الآية على أن الإله هو العالم بجميع الأشياء، فلا يخفي عليه شيء، ولا يلزم من كون عيسى عالمًا ببعض المغيبات أن يكون إلها، ومن المعلوم بالضرورة أن عيسى لم يكن عالمًا بجميع المعلومات، ونبهت على أن الإله هو ذو القدرة التامة، فلا يمتنع عليه شيء، ولا يلزم من كون عيسى قادرًا على الإحياء في بعض الصور أن يكون إلهًا، ومن المعلوم بالضرورة أن عيسى لم يكن قادرًا على تركيب الصور وإحيائها، بل إنباؤه ببعض المغيبات، وخلقه وأحياؤه بعض الصور، إنما كان ذلك بإنباء الله له على سبيل الوحي، وإقداره تعالى له على ذلك، وكلها على سبيل المعجزة التي أجراها، وأمثالها، على أيدي رسله.
وفي ذكر التصوير في الرحم ردّ على من زعم أن عيسى إله، إذ من المعلوم بالضرورة أنه صور في الرحم.
وقيل: في قوله: {لا يخفى عليه شيء} تحذير من مخالفته سرًا وجهرًا، ووعيد بالمجازاة وقيل: المعنى شيء مما يقولونه في أمر عيسى عليه السلام.
وقال الزمخشري: مطلع على كفر من كفر، وإيمان من آمن، وهو مجازيهم عليه.
وقال الماتريدي: لا يخفى عليه شيء من الأمور الخفية عن الخلق، فكيف تخفى عليه أعمالكم التي هي ظاهرة عندكم؟ وكل هذه تخصيصات.
واللفظ عام، فيندرج فيه هذا كله.
وقال الراغب: لا يخفى عليه شيء، أبلغ من: يعلم في الأصل، وإن كان استعمال اللفظين فيه يفيدان معنى واحدًا.
وقال محمد بن جعفر بن الزبير، والربيع، في قوله: {هو الذي يصوركم} ردّ على أهل الطبيعة، إذ يجعلونها فاعلة مستبدة كيف تشاء.
قال الماتريدي: فيه إبطال قول من يجعل قول القائف حجة في دعوى النسب، لأنه جعل علم التصوير في الأرحام لنفسه، فكيف يعرف القائف أنه صوره من مائه عند قيام التشابه في الصور؟ انتهى.
والأحسن أن تكون هذه الجمل مستقلة، فتكون الأولى: إخبارًا عنه تعالى بالعلم التام، والثانية: إخبارًا بالقدرة التامة وبالإرادة.
والثالثة: بالإنفراد بالإلهية، ويحتمل أن يكون خبرًا عن: أن.
وقال الراغب، هنا: يصوركم، بلفظ الحال، وفي موضع آخر: فصوركم، لأنه لا اعتبار بالأزمنة في أفعاله، وإنما استعملت الألفاظ فيه للدلالة على الأزمنة بحسب اللغات، وأيضا: فصوركم، إنما هو على نسبة التقدير، وإن فعله تعالى في حكم ما قد فرع منه.
ويصوركم على حسب ما يظهر لنا حالًا فحالًا. انتهى.
وقرأ طاووس: تصوركم، أي صوركم لنفسه ولتعبده.
كقولك: أثلت مالًا، أي: جعلته أثلة.
أي: أصلًا.
وتأثلته إذا أثلته لنفسك.
وتأتي: تفعَّل، بمعنى: فعل، نحو: تولى، بمعنى: ولي.
ومعنى {كيف يشاء} أي: من الطول والقصر، واللون، والذكورة والأنوثة، وغير ذلك من الاختلافات.
وفي قوله: {كيف يشاء} إشارة إلى أن ذلك يكون بسبب وبغير سبب، لأن ذلك متعلق بمشيئته فقط.
و: كيف، هنا للجزاء، لكنها لا تجزم.
ومفعول: يشاء، محذوف لفهم المعنى، التقدير: كيف يشاء أن يصوركم.
كقوله: {ينفق كيف يشاء} أي: كيف يشاء أن ينفق، و: كيف، منصوب: بيشاء، والمعنى: على أي حال شاء أن يصوركم صوركم، ونصبه على الحال، وحذف فعل الجزاء لدلالة ما قبله عليه، نحو قولهم: أنت ظالم إن فعلت، التقدير: أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم، ولا موضع لهذه الجملة من الإعراب، وإن كانت متعلقة بما قبلها في المعنى، فتعلقها كتعلق إن فعلت، كقوله: أنت ظالم.
وتفكيك هذا الكلام وإعرابه على ما ذكرناه، لا يهتدى له إلاَّ بعد تمرّن في الإعراب، واستحضار للطائف النحو.
وقال بعضهم {كيف يشاء} في موضع الحال، معمول: يصوركم؛ ومعنى الحال أي: يصوركم في الأرحام قادرًا على تصوريكم مالكًا ذلك.
وقيل: التقدير في هذه الحال: يصوركم على مشيئته، أي مريدًا، فيكون حالًا من ضمير اسم الله، ذكره أبو البقاء، وجوّز أن يكون حالًا من المفعول، أي: يصوركم منقلبين على مشيئته.
وقال الحوفي: يجوز أن تكون الجملة في موضع المصدر، المعنى: يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة، وكما يشاء. اهـ.

.قال البيضاوي:

{إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأرض وَلاَ فِي السماء} أي شيء كائن في العالم كليًا كان أو جزئيًا، إيمانًا أو كفرًا. فعبَّر عنه بالسماء والأرض إِذ الحس لا يتجاوزهما، وإنما قدم الأرض ترقيًا من الأدنى إلى الأعلى، ولأن المقصود بالذكر ما اقترف فيها. وهو كالدليل على كونه حيًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري:
لا يتنفس عبدٌ نَفَسًا إلا والله سبحانه وتعالى مُحْصِيه، ولا تحصل في السماء والأرض ذرة لا وهو سبحانه مُحْدِثهُ ومُبْدِيه، ولا يكون أحد بوصف ولا نعت إلا هو متوليه.
هذا على العموم، فأمَّا على الخصوص: فلا رَفَعَ أحدٌ إليه حاجةً إلا وهو قاضيها، ولا رجع أحدٌ إليه في نازلة إلا وهو كافيها. اهـ.

.تفسير الآية رقم (6):

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إله إلا هو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قرر سبحانه وتعالى شمول علمه أتبعه دليله من تمام قدرته فقال: وقال الحرالي: ولما كان كل تفصيل يتقدمه بالرتبة مجمل جامع، وكانت تراجم السورة موضع الإجمال ليكون تفصيلها موضع التفاصيل، وكان من المذكور في سورة الكتاب ما وقع من اللبس كذلك كان في هذه السورة التي ترجمها جوامع إلهية ما وقع من اللبس في أمر الإلهية في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، فكان في هذه الآيه الجامعة توطئة لبيان الأمر في شأنه عليه السلام من حيث أنه مما صور في الرحم وحملته الأنثى ووضعته، وأن جميع ما حوته السماء والأرض لا ينبغي أن يقع فيه لبس في أمر الإلهية؛ انتهى فقال مبينًا أمر قدرته بما لا يقدر عليه عيسى عليه الصلاة والسلام ولا غيره: {هو} أي وحده {الذي} وقرعهم بصرف القول من الغيبه إلى الخطاب ليعظم تنبههم على ما هم فيه من قهر المصور لهم على ما أوجدهم عليه مما يشتهونه ولا يفقهونه فقال: {يصوركم} أي أن كنتم نطفًا من التصوير وهو إقامه الصورة.
وهي تمام البادي التي يقع عليها حس الناظر لظهورها، فصورة كل شيء تمام بدوه قال الحرالي: {في الأرحام} أي التي لا اطلاع لكم عليها بوجه، ولما كان التصوير في نفسه أمرًا معجبًا وشينًا للعقل إذا تأمله وإن كان قد هان لكثرة الإلف باهرًا فكيف بأحواله المتباينه وأشكاله المتخالفة المتباينة أشار إلى التعجب من أمره وجليل سره بآلة الاستفهام وإن قالوا: إنها في هذا الوطن شرط، فقال: {كيف} أي كما {يشاء} أي على أي حالة أراد، سواء عنده كونكم من نطفتي ذكر وأنثى أو نطفة أنثى وحدها دليلًا على كمال العلم والقيومية، وإيماء إلى أن من صور في الأرحام كغيره من العبيد لا يكون إلا عبدًا، إذ الإله متعال عن ذلك لما فيه من أنواع الاحتياج والنقص.
وقال الحرالي: فكان في إلاحة هذه الآية توزيع أمر الإظهار على ثلاثة وجوه تناظر وجوه التقدير الثلاثة التي في فاتحة سورة البقرة، فينتج هدى وإضلالًا وإلباسًا أكمل الله به وحيه، كما أقام بتقدير الإيمان والكفر والنفاق خلقه فطابق الأمر الخلق فأقام الله سبحانه وتعالى بذلك قائم خلقه وأمره، فكان في انتظام هذه الإفهامات أن بادي الأحوال الظاهرة عند انتهاء الخلق إنما ظهرت لأنها مودعة في أصل التصوير فصورة نورانية يهتدي بها وصورة ظلمانية يكفر لأجلها، وصورة ملتبسة عيشية علمية يفتتن ويقع الإلباس والالتباس من جهتها، مما لا يفي ببيانها إلا الفرقان المنزل على هذه الأمه، ولا تتم إحاطة جميعها إلا في القرآن المخصوصة به أئمة هذه الأمه انتهى.